مع أحمد
FILE PHOTO: A nurse prepares Russia's "Sputnik-V" vaccine against the coronavirus disease (COVID-19) for inoculation at a clinic in Tver, Russia, October 12, 2020. REUTERS/Tatyana Makeyeva/File Photo

ما آليات التجارب على لقاحات كورونا؟ وكيف نتأكد من سلامتها؟

للتحقق من فعالية اللقاحات التجريبية ضد فيروس كورونا المستجد (المسبّب لمرض كوفيد-19) وسلامتها، ينفذ الباحثون تجارب سريرية على عشرات آلاف المتطوعين الموزعين عمومًا بالتساوي على مجموعتين تتلقى إحداهما علاجًا وهميًّا (بلاسيبو).

هذه الحال مع التجارب على لقاحي “فايزر/ بايونتيك” و”موديرنا” اللذين نسب مطوّروهما إليهما فعالية عالية للغاية تخطت عتبة 90 في المئة.

من يجري التجارب السريرية؟

تتولى مجموعة “فايزر” الأمريكية تنفيذ وتمويل التجربة السريرية على لقاحها على 44 ألف شخص في الولايات المتحدة والبرازيل وجنوب أفريقيا وتركيا.

ويشارك هؤلاء الأشخاص بصورة تطوعية، ويتلقى كل واحد منهم جرعتين تفصل بينهما ثلاثة أسابيع، ويخضعون لمتابعة دورية.

أما “موديرنا” فتجري تجربتها بالتعاون مع المعاهد الوطنية لشؤون الصحة، أرفع هيئة عامة للبحث العلمي في الولايات المتحدة، والتي تشارك في تمويل الدراسة وتطوير اللقاح المعطى أيضًا بجرعتين تفصل بينهما أربعة أسابيع.

وتقام التجربة في الولايات المتحدة حصرًا على 300 ألف متطوع.

هل يعرف المشاركون ما إذا كانوا يتلقون اللقاح أم العلاج الوهمي؟

كلا! حتى الممرضة التي تحقن المشاركين لا تعلم ذلك. العلاج الوهمي لا يتعدى كونه محلولًا ملحيًا من دون أي أثر علاجي.

كيف التأكد من فعالية اللقاح؟

يتابع المتطوعون المشاركون في البحوث حياتهم بصورة طبيعية؛ فبعد تلقي الحقنة يعودون إلى المنزل ويستمرون في العمل أو الدراسة مثل غيرهم، مع ضرورة اتباع التدابير الوقائية عينها، سواء لناحية الحجر المنزلي أو ضرورة وضع كمامة.

على مر الأيام، سيصاب عدد من المشاركين بطبيعة الحال بكوفيد-19، وهو أمر سيُعرف حتمًا إذ يتعين على المشاركين أن يبلغوا بانتظام الباحثين عن أي أعراض لديهم، كما تخضع أي حالة مشبوهة للتشخيص.

وإذا كان اللقاح فعالًا، سيكون عدد الحالات المسجلة بين المشاركين الذين تلقوا لقاحًا فعليًّا أقل من ذلك المسجل في المجموعة الثانية التي تلقى أفرادها لقاحًا وهميًّا.

ويكمن الهدف في تسجيل فارق يكون كبيرًا بما يكفي لاستبعاد فرضية المصادفة في هذه النتائج.

ويلجأ الباحثون إلى وسائل إحصائية لبلوغ حد أدنى محدد مسبقًا من اليقين.

بلوغ نسبة فعالية 100 في المئة يعني عدم تسجيل أي حالة لدى الأشخاص الذين تلقوا لقاحًا فعليًا، وحالات عدة في المجموعة الثانية.

الهدف الأول من اللقاحات ليس في منع انتقال عدوى فيروس كورونا بل الحيلولة دون إصابة الأشخاص بمرض كوفيد-19 الناجم عن الفيروس.

ويصنف اللقاح على أنه ذو فعالية كبيرة في حال نجاحه في منع الإصابات بكوفيد-19 بأشكاله الخطرة.

وتنطلق هذه البحوث من فكرة أنه إذا نجح لقاح ما في حماية الأشخاص من المرض، فإن ذلك يعني تحقيق الهدف المنشود على صعيد الصحة العامة، حتى مع استمرار تسجيل إصابات لأشخاص بالفيروس من دون أي أعراض.

هل يجري تعريض المشاركين عمدًا للإصابة بالفيروس؟

كلا! يعمد الباحثون فقط إلى تسجيل ما إذا كان ثمة فارق “في الحياة الفعلية” على صعيد نسب الإصابة بكوفيد-19 بين الأشخاص الذين تلقوا اللقاح وأولئك الذين لم يتلقوه.

وفي ظل عدم وجود علاج فعال بنسبة 100 في المئة، سيكون من غير الأخلاقي تعريض أشخاص عمدًا للإصابة بفيروس كورونا، رغم أن باحثين اقترحوا القيام بذلك فعلًا مع أشخاص بصحة جيدة في سن الشباب.

ما الهدف من استخدام لقاح وهمي؟

إذا اقتصرت الدراسة على متابعة أوضاع 10 آلاف شخص بينهم 100 يُصابون بكوفيد-19، كيف يمكن عندها معرفة درجة فعالية اللقاح؟ ربما من دون اللقاح، كان ليسجل عدد مشابه من الإصابات، أو ربما الضعف أو عشرة أضعاف.

لذلك، الطريقة الوحيدة لتحديد الفعالية تكمن في مقارنة النتائج بتلك المسجلة لدى عددٍ موازٍ من الأشخاص ممن لم يتلقوا اللقاح، أي المجموعة البديلة.

ومع العينات الكثيرة من عشرات آلاف الأشخاص الذين يُختارون بطريقة تعكس صورة تمثيلية عن السكان، سيكون من شبه المؤكد أن المجموعتين ستضمان التنوع عينه لناحية السمات الشخصية والسلوكيات، ما يتيح مقارنتهما.

ولا سبب يدفع المشاركين الشباب في إحدى المجموعتين، على سبيل المثال، إلى رفض وضع كمامة دون الآخرين في المجموعة الثانية، خصوصًا لكون الأشخاص لا يعلمون ما إذا كانوا قد تلقوا اللقاح الفعلي أم الوهمي.

من يحلل البيانات؟

لا يحصل تحليل البيانات على يد الشركات مباشرة، بل من خلال لجان خبراء مستقلين تسمى “داتا أند سايفتي مونيتورينغ بورد” (“دي إس إم بي” أو لجان الإشراف على البيانات والسلامة). وتبقى أسماء المشاركين في هذه اللجان طي الكتمان لحمايتهم من أي ضغط سياسي أو ما شابه.

وفي حالة فايزر، تتألف لجنة الإشراف من خمسة أعضاء، أما مع لقاحات موديرنا وأسترازينيكا/أكسفورد وجونسون أند جونسون، جرى تشكيل لجنة واحدة من الخبراء المستقلين من جانب المعاهد الوطنية لشؤون الصحة تضم ما بين عشرة أعضاء وخمسة عشر، وفق “كايزر هيلث نيوز”.

وتكشف هذه اللجان بفوارق زمنية ثابتة منصوص عنها في بروتوكولات التجارب، عن البيانات المجمعة لمعرفة المجموعات التي ينتمي إليها المشاركون.

وفي إمكان أعضاء اللجنة إبلاغ الشركة المطوّرة بنتائجهم إذا كانت إيجابية، كما في استطاعة الشركة لاحقًا استخدام البيانات؛ لتقرر على ضوئها ما إذا كانت ستطلب إذنا لطرح اللقاح في الأسواق.

وفضلًا عن الفعالية، تشرف اللجان أيضًا من كثب على موضوع السلامة من خلال تحليل درجة خطورة الآثار الجانبية ووتيرتها، وهو عامل حاسم على صعيد القرار بالسماح بطرح المنتج في الأسواق أو عدمه.

170 حالة.. أليست عينة صغيرة؟

أعلنت “فايزر” أنها سجلت 170 إصابة بكوفيد-19 في الأيام السبعة التي تلت الجرعة الثانية من اللقاح، ما يبدو رقمًا صغيرًا قياسًا إلى عدد المشاركين الإجمالي (44 ألفًا).

لكن من الناحية الإحصائية، هذه النتيجة تكفي؛ ففي الواقع، 162 من هؤلاء المصابين كانوا من المجموعة التي تلقت لقاحًا وهميًّا، و8 في المجموعة التي تلقت لقاحًا فعليًّا.

هذا الفارق كبير لدرجة أنه من المستبعد للغاية أن يكون الأمر محض مصادفة.

وتعني نسبة الـ95 في المئة من الفعالية التي خلص إليها الباحثون العاملون على تطوير اللقاح، أن الناس الذين يتلقون اللقاح يتراجع لديهم خطر الإصابة بمرض كوفيد-19 بنسبة 95 في المئة مقارنة بأولئك الذين لا يتلقون اللقاح.

هل يحصل الأشخاص الذين يتلقون لقاحًا وهميًّا على اللقاح الفعلي في نهاية المطاف؟

هنا تكمن إشكالية أخلاقية كبرى. في العادة، عندما يجري التثبت من فعالية دواء أو لقاح، يتجه المسؤولون إلى إبلاغ المشاركين الذين تلقوا العلاج الوهمي بحقيقة الأمر، ويُعرض عليهم تلقي المنتج الفعلي إذا أرادوا ذلك.

وفي كل الحالات، لا شيء يمنع المشاركين الذين تساورهم شكوك من الذهاب بصورة مستقلة إلى الصيدلية للحصول على اللقاح.

لكن المشكلة تكمن في أن التجارب معدة للاستمرار عامين أو أكثر، بغية تحديد مدة الحماية التي يوفرها اللقاح، ومراقبة ظهور آثار جانبية على المدى الطويل.

وحتى الساعة، لم تصدر السلطات الصحية ردًا على أسئلة الشركات المصنعة، أي توصيات لحل هذه المشكلة.