صلى أحد المرضى في مسجد الرحمن في كوالالمبور قبل أن يتلقى جرعة من الميثادون وهو عبارة عن مسكن ألم ينتمي لمجموعة من العلاجات تسمى الأفيونات أو العلاجات المخدرة، يستخدم في علاج أنواع الألم المتوسطة إلى الشديدة، حيث يعمل على تثبيط مستقبلات الألم في الجهاز العصبي المركزي .
ففي كل يوم اثنين وخميس ، يستقل رجل الحافلة لمدة ساعة ونصف من منزله على مشارف كوالا لمبور إلى مسجد الرحمن وبعد تأدية الصلاة ، يصعد الدرج إلى الطابق العلوي في المسجد ، ويعطي عينة من البول ويستشير أحد الأطباء ثم يعطيه الصيدلي كوبًا صغيرًا من البلاستيك يحتوي على الميثادون ، للمساعدة في التخلص من إدمان الهيروين .
وقال الرجل الذي لم يرغب في الكشف عن هويته بسبب وصمة العار التي تحيط بتعاطي المخدرات غير المشروعة في البلد ذي الأغلبية المسلمة إنه كان يتعاطى حقن الهيروين لمدة سبع سنوات قبل أن يصل إلى مسجد الرحمن قبل نحو عام وقال في اشارة الى الميثادون “إنه يجعلني قادرآ على العمل.”
حيث أن المخدرات التي قد تمنع المسلمين من القيام بواجباتهم الدينية محظورة في ظل الإسلام ، وتفرض ماليزيا قوانين صارمة ، بما في ذلك عقوبة الإعدام ، على الاتجار بالمخدرات وتشمل العقوبات المفروضة على الأشخاص الذين يثبت حيازتهم الهيروين الحبس لمدة قد تصل إلى السجن مدى الحياة وذلك على حسب الكمية .
لكن في مسجد الرحمن ، نجح أطباء من جامعة مالايا في حمل السلطات الدينية على الموافقة وذلك طبقآ لمنظمة الصحة العالمية إنه أول برنامج للميثادون في العالم يعمل خارج المستشفيات ويخطط الأطباء لتوسيع البرنامج إلى اثنين من المساجد في كوالالمبور في الأشهر القادمة .
ويقدر عدد متعاطي المخدرات عن طريق الحقن في ماليزيا بحوالي 170 ألفا ، ويعتبر تعاطي الهيروين هو الأكثر شيوعا وقد تم اعتقال الكثير من التجار والمتعاطين في عام 2010 ، وكانت كمية الهيروين المضبوطة في ذلك العام هي أعلى نسبة تم الإبلاغ عنها خلال السنوات الخمس الماضية ، ووفقا لتقرير صدر مؤخرا عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة فإن معظم الهيرويين في ماليزيا يأتي من ميانمار ولاوس وغرب آسيا ، لكن يتم إنتاج البعض أيضا محليا .
وفي حين تستخدم بعض البلدان الميثادون لعلاج مدمني الهيروين لعقود ، قدمت ماليزيا برنامجًا حكوميًا ممولًا من الحكومة في عام 2005 لتقديم العلاج بالمجان بعد ما كانت جامعة مالايا تدير برنامجًا حيث كان على المرضى دفع تكاليف العلاج وقد لاقى هذا البرنامج نجاحآ كبيرآ ، جنبا إلى جنب مع حملة التوعية من خطر إنتشار H.I.V. بين متعاطي المخدرات بالحقن الوريدي حيث بلغ عدد الإصابات حوالي 7000 في عام 2002 ؛ وبحلول عام 2005 ، انخفض هذا الرقم إلى ما يزيد قليلاً عن 6100 ، لمتعاطي المخدرات عن طريق الوريد ، وهو الأسلوب الرئيسي للانتقال .
لكن رغم توسع عدد برامج الميثادون منذ عام 2005 ، فإنه لايزال هناك نقص في العيادات ذات المساحة والتسهيلات المناسبة ، كما يقول الدكتور رشدي عبد الرشيد ، المنسق الرئيسي لجامعة مركز مالايا لعلوم الإدمان ، والذي يدير برنامج مسجد الرحمن .
وقد واجه الأطباء معارضة قوية عندما اقتربوا أولاً من سلطات المساجد والدوائر الحكومية للتنمية الإسلامية ، التي يجب أن توافق على الأنشطة في المساجد الماليزية ، وقال الدكتور رشدي إن السلطات خشيت من خطورة الميثادون لكن الأطباء أوضحوا أن الميثادون يختلف عن الأدوية الأخرى لأنه مجرد دواء ولا يعطي المرضى شعورًا بالبهجة أو التخدير .
وقال الدكتور رشدي في مقابلة “لقد وافقوا على السماح لنا بتجربة البرنامج” ويحتوي البرنامج الذي بدأ في عام 2010 ، على 50 مريضاً تتراوح أعمارهم بين 18 و 60 عامًا وعندما ينضمون للبرنامج لأول مرة ، يجب على المرضى تناول الميثادون تحت مراقبة الصيادلة وبعد مرور شهرين واختبارين متتاليين على الأقل من البول يظهران عدم وجود الأدوية ، يُسمح للمرضى بتناول ما يصل إلى ثلاث جرعات في المنزل .
وفي الوقت الذي يصادف فيه برنامج الميثادون الماليزي أول برنامج في مسجد ، أصبحت السلطات الإسلامية تشارك في مكافحة المخدرات في بلدان أخرى ، مثل الصين وإندونيسيا ، حيث تدير بعض المنظمات الإسلامية مراكز لإعادة التأهيل وقالت وزارة التنمية الوطنية الماليزية إنها وافقت على السماح لبرنامج الميثادون في مسجد الرحمن بعد أن منح مجلس الفتوى الوطني الإذن باستخدام الميثادون شريطة أن يتم أخذه تحت إشراف الطبيب وقالت الوزارة في بيان لها “سمحت السلطات الدينية باستخدام الميثادون في مسجد الرحمن لانه يعتبر نوعا من الادوية يمكن استخدامه كعلاج لمدمني المخدرات.”
وقال نظام يوسف ، أمين صندوق مسجد الرحمن ، إن لجنة المسجد وافقت على استضافة البرنامج لأنه يساعد الناس على تغيير حياتهم للأفضل وقال : “إن الكثير منهم يتمتعون بصحة جيدة بالفعل ، ولديهم بالفعل وظيفة مناسبة ، وبعضهم تزوج أيضاً ولديه عائلة جديدة وأعتقد أن ما تقوم به المنظمة هو خطوة جيدة.”
ولكن لا يتفق الجميع مع ذلك فقد قال السيد نظام إن بعض المصلين أعربوا عن قلقهم وأرادوا معرفة سبب عدم استناد البرنامج إلى عيادة وقال: “بعض الناس ينظرون إلى مدمني المخدرات ، ويعتقد البعض أنه ليس من الجيد رؤيتهم ينتظرون حول المسجد” وقال الدكتور رشدي إنه يريد مواصلة العمل عن كثب مع المسجد للمساعدة في إزالة الحاجز الذي يحيط بمتعاطي المخدرات .
وفي تقرير صدر في العام الماضي ، قالت منظمة الصحة العالمية في حين أن التمييز ضد متعاطي المخدرات ظل مرتفعا في ماليزيا ، إلا أن حصولهم على الرعاية الصحية ازداد في السنوات الأخيرة كما أشار التقرير بالتحديد إلى مسجد الرحمن .
فمنذ إدخال الميثادون وبرامج تبادل الإبر ، فإن عدد المصابين بالإيدز انخفض إلى النصف تقريبا ، حيث بلغ عدد الإصابات الجديدة في عام 2009 إلى 3080 – وهو الرقم الأدنى منذ عام 1993 ومع ذلك ، ارتفعت الإصابات الجديدة إلى 3652 في عام 2010 .
ويقول المجلس الماليزي للإيدز ، وهو منظمة شاملة للمجموعات التي تعمل في قضايا فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز ، إن الرجال المسلمين في ماليزيا لا يزالون أكثر عرضة لخطر التعرض لفيروس إتش آي في من خلال تعاطي المخدرات عن طريق الحقن وقال رئيس المجلس ، محمد زمان خان : “إننا نناشد السلطات الدينية والقادة الدينيين في البلاد لتبني هذا البرنامج”.
وفي مسجد الرحمن ، تقدم وزارة الصحة جرعات الميثادون مجاناً وتدفع للصيادلة اللذين يقومون بتوزيع الميثادون ، بينما يحضر أطباء من جامعة مالايا والممارسين العامين مرة واحدة في الأسبوع لتقييم المرضى ويدفع كل مريض 15 رينجت أو حوالي 4.90 دولار في الأسبوع للمشاركة في البرنامج .
وقال الدكتور رشدي إن العلاج يشمل أيضا “تعزيز الروح” ، الذي يقول إنه غالبا ما يكون سمة من سمات برامج العلاج من المخدرات بغض النظر عن دين المريض ففي هذا البرنامج ، يجب على المرضى خلال الأسابيع الثمانية الأولى أداء صلواتهم قبل أن يروا الطبيب وبعد ذلك ، لا يعد القيام بالصلاة أمرًا إلزاميًا ولكنها قد تساعد في منع المرضى من الانتكاس .
وتخطط جامعة مالايا لتوسيع برنامجها بعد تلقي دعوات من اثنين من المساجد الأخرى في كوالالمبور ومن أجل توفير التكاليف ، تأمل في أن تبدأ خدمة متنقلة حيث ستقوم سيارة صغيرة بنقل طبيب وصيدلي إلى المساجد لتقديم البرنامج وهناك أيضا خطط لإنشاء برنامج مماثل في اثنين من المعابد الهندوسية في كوالالمبور وقال الدكتور رشدي إنه لا يعرف أي معابد أو كنائس مسيحية تقدم حاليا مثل هذه الخدمات في ماليزيا .
وقال رجل يبلغ من العمر 48 عاماً ، يدعى كارلوس ، إنه بدأ بالقدوم إلى المسجد قبل نحو عام بعد تعاطي الهيروين لمدة ثلاثة عقود وقال كارلوس ، الذي يقوم بعزف موسيقى حية في بعض أشهر الشوارع السياحية في العاصمة ، إنه منذ أن توقف عن تعاطي الهيروين ، تمكن من شراء منزل صغير .