مع أحمد

السياحة العلاجية في تركيا

إعداد / ميادة جمال

لقد استقطب نمو شعبية السياحة العلاجية اهتمام صانعي السياسات والباحثين ووسائل الإعلام وأشار المصطلح في الأصل إلى سفر المرضى من الدول الأقل تطوراً إلى الدول المتقدمة سعياً للحصول على العلاجات غير المتوفرة في وطنهم .

ولكن اليوم نشهد تحولات نوعية وكمية في حركة المريض ، حيث ينتقل الناس من الدول الغنية إلى الدول الأقل نمواً من أجل الحصول على الخدمات الصحية ويرجع هذا التحول في الغالب إلى التكلفة النسبية المنخفضة للمعالجة في الدول الأقل تقدمًا ، وتوافر رحلات غير مكلفة وزيادة المعلومات التسويقية عبر الإنترنت حول توفر الخدمات الطبية .

وما يضع كلمة “السياحة” في مفهوم السياحة الطبية هو أن الناس غالباً ما يبقون في بلد أجنبي بعد الإجراء الطبي وبالتالي يمكن للمسافرين الاستفادة من زيارتهم من خلال مشاهدة المعالم السياحية ، أو القيام برحلات نهارية أو المشاركة في أي أنشطة سياحية تقليدية أخرى .

وقد استطاعت تركيا ان تواكب عصور النهضة المتطورة بشتى المجالات ، واقتحمت عالم السياحة من كافة أبوابه نظرا لامتلاكها معالم سياحية غنية ، بالإضافة الى ما خلفته الطبيعة من بصمات على أراضيها ، لتجمع تركيا بين الأصالة والحداثة ، ولتكون الرائدة في مجال السياحة العلاجية .

فقد أولت الدولة التركية اهتماما كبيرا بمجال السياحة العلاجية بتطويرها للقطاع الصحي ووضع الرؤى والخطط لذلك ، فبحسب مجلس السياحة الصحية التركي (THTC) فإن تركيا تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث عدد المرضى الذين تقدم لهم الرعاية الصحية ، والمرتبة الثالثة من ناحية الإيرادات ، ويعمل المجلس لتحقيق رؤيته بأن تكون تركيا الوجهة الأولى عالمياً في مجال السياحة العلاجية بحلول عام 2023، وتحقيق إيرادات بقيمة 20 مليار دولار بتشغيل 22 مدينة طبية لاستيعاب أكثر من مليوني زائر .

والسياحة العلاجية بشكل عام هي إحدى أنواع السياحة ، وهي السفر بهدف العلاج أوالاستجمام في المنتجعات الصحية في مختلف بقاع العالم .

وتنقسم إلى قسمين :

السياحة العلاجية : تعتمد السياحة العلاجية على استخدام المصحات المتخصصة أو المراكز الطبية أو المستشفيات الحديثة التي يتوفر فيها تجهيزات طبية وكوادر بشرية تمتاز بالكفاءة العالية والتي تنتشر في جميع دول العالم ، إلا أن هناك دول تفوقت عن غيرها في هذا المجال وأصبحت مشهورة بهذا النوع من السياحة مثل التشيك وأوكرانيا وألمانيا وبعض الدول العربية كتركيا والأردن وتونس .

السياحة الاستشفائية : تعتمد السياحة الاستشفائية على العناصر الطبيعية في علاج المرضى وشفائهم مثل ينابيع المياه المعدنية أو الكبريتية كالبحيرات الموجود في إندونيسيا في أكثر من مدينة ومراكز الاستشفاء المتخصصة بقربص وحمام بورقيبة في تونس والبحر الميت وحمامات ماعين في الأردن ، والرمال والتعرض لأشعة الشمس بغرض الاستشفاء من بعض الأمراض الجلدية والروماتيزم وأمراض العظام وغيرها وتطلق السياحة العلاجية على كل من النوعين السابقين .

وتقسم السياحة العلاجية في تركيا الى قسمين:

السياحة الأستشفائية :

إن أول علاج بالمياه الحرارية كان في زمن الجنود الرومانيين الذين اعتبروا مياه الينابيع المعدنية فرصة للاستجمام والراحة ، حيث اعتبر العصر الروماني هو بداية اكتشاف العلاج بمياه الينابيع المعدنية ، واستمر هذا الامر حتى عهد البيزنطيين ، الى عهد الأتراك القدامى ، فمنذ 2000 سنة استطاع الرومان والبيزنطيون التوصل الى الاستجمام بمياه الينابيع الحرارية ، وذلك من خلال استخدام نظام الثقوب في الجدران والارضيات لتدفق الهواء الساخن واستخدموا ما يعرف بالمباخر لإنتاج البخار ورفع درجة حرارة الحمام بنسبة تصل الى 55 درجة مئوية واعتبر الحمام بالمياه المعدنية تقليدا تاريخيا والتى تتألف من مياه كبريتية في اغلب الأحيان والقليل من حمض الكربونيك ، وعدد من المركبات الأخرى كأملاح الصوديوم والكالسيوم ، وفي بعض مناطق الينابيع الحرارية تأتي الفقاعات الساخنة من الأرض من تلقاء نفسها دون الحاجة الى تسخين وهي لاتزال مستخدمه في عصرنا الحالي مع إضافة لمسة عصرية لدمج مفهوم الحمام التقليدي المتكامل مع الحمامات الحرارية الحديثة وذلك من أجل حماية الانسان وتحسين صحته وللاعتناء بجسده ونظافته ، وهذا ما شجع الأتراك على بناء الحمامات التركية الحديثة لتشكل منتجع صحي وسياحة صحية بمياه الينابيع المعدنية .

وعند فحص هذه المنتجعات الحرارية لفت انتباهنا دقة العناية بكل تفصيل ، حيث بدا أن كل شيء مدون على لائحة اعمال قبل القيام به ، من العلاجات المقدمة الى طريقة هندسة أماكن الإقامة ومناطق الترفيه ، فحين النظر الى مناطق السياحة الصحية يبدو وكأن كل شيء مصمم بعناية فائقة لتوفير الخدمات لكل الأشخاص بدءا من الكبار الى المعوقين الى حالات الروماتيزم ، والأمراض العظمية والعصبية والجلدية ، فضلا عن الخدمات العلاجية المقدمة في إطار السياحة الحرارية .

وجهات سياحية للعلاج الأستشفائي في تركيا:

يوجد في تركيا عدد كبير من ينابيع المياه المعدنية حيث يوجد اكثر من 1300 ينبوع حراري في تركيا تتراوح درجة حرارتها بين 20-110 درجة مئوية ، ومعدلات التدفق تتراوح بين 2-500 لتر في الثانية ومنها :

  • جنوب منطقة مرمرا (مدن كنكال ، بالكسير ، يالوفا )
  • جنوب منطقة ايجة (مدن ازمي ر، مانيسا ، أيدين ، دنيزلي )
  • منطقة فريجيا القديمة ( مدن كوتاهيا ، أوشاك ، أيسك شهير ، أنقرة )
  • وسط منطقة الأناضول ( مدن يوزغات ، كرزهر ، نيفيشهر ، نيجدة )
  • شمال الاناضول ( مدن أماسيا ، سيفاس ، توكات ، أرزينكان )
  • شرق منطقة مرمرا ( مدن بيليسك ، قوجا )
  • غرب البحر الأسود ( مدن بولو ، دوزجي ، ساكاريا )

كما أن مناطق السياحة الصحية في تركيا جمعت بين التكنولوجيا الحديثة وأنظمة التبخير والصحة ، والفنادق الفاخرة ، والخدمات الرائعة والمتقنة .

ومن أهم مميزات السياحة العلاجية في تركيا :

  • وجود أخصائي العلاج الطبيعي لضمان سلامة وراحة المرضى
  • وجود فنادق تم وصل حنفياتها بمياه الينابيع المعدنية لتوفير أكبر قدر من الراحة
  • وجود معايير عالية للرعاية الصحية

وأيضآ هناك العديد من العلاجات الطبية التي تقوم تركيا بدعمها من خلال السياحة الطبية فضلآ عن العلاجات الصحية بمياه الينابيع الحرارية ، ومن هذه العلاجات :

  • الجراحات التجميلية
  • الخصوبة والعقم
  • طب الأسنان التجميلي والعام
  • مراكز التجميل
  • علاج العيون
  • علاج السمنة
  • غسيل الكلى
  • علاج الصدفية
  • العلاج بالأوكسجين
  • زراعة الشعر في تركيا

التكلفة :

تمثل السياحة الطبية ظاهرة عالمية تقدر بمليارات الدولارات ومن المتوقع أن تنمو بشكل كبير في العقد المقبل وبالنسبة للفرد المهتم بالخدمات الصحية ، فإن التكلفة هي العامل الرئيسي في اتخاذ القرار بتلقي الرعاية الطبية في الخارج .

ومع ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية في الولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم ، بدأ العديد من أرباب العمل وشركات التأمين في النظر إلى السياحة الطبية كطريقة لخفضها فبدأ عدد متزايد من البلدان في جميع أنحاء العالم بالنظر إلى الفوائد المالية من هذا السوق الناشئ ، ولذلك تقدم بعض الدول كتركيا الخدمات الطبية المتميزة بأسعار منخفضة بشكل ملحوظ .

والسبب الرئيسي في أن العيادات والمستشفيات في تركيا قادرة على خفض أسعارها ترتبط مباشرة بالوضع الاقتصادي للأمة فقد لوحظ الارتباط المباشر مع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للبلد ، وهو عبارة عن مؤشر لمستويات الدخل ونتيجة لذلك ، تنخفض أسعار الجراحة من 30٪ إلى 70٪ في تركيا والتي تروّج للسياحة العلاجية مقارنةً بالولايات المتحدة ولذلك تعتبر أسعار الرعاية الطبية في تركيا تنافسية جدًا مقارنة بمثيلتها في دول غرب أوروبا مثل المملكة المتحدة ، وأيرلندا ، والنمسا وإيطاليا .

ومن أهم نقاط القوة بالنسبة للسياحة العلاجية في تركيا هي إلزام جميع المستشفيات الخاصة من قبل وزارة الصحة التركية حذو خطى المشافي العامة (المملوكة للدولة) باستقبال المرضى في قسم الطوارئ و مواصلة العلاج حتى الشفاء مجانا .

وذلك يعني أنه عند استقبال مريض في الطوارئ (عاجل) ومهما كانت إصابته أو نوع مرضه تلتزم المستشفى بمواصلة العلاج مهما طال حتى الشفاء مجانا كما أن جميع الفحوصات والمعاينات تكون مجانية ولكن يلتزم الفرد بشراء الدواء من الصدليات الخارجية يعني ليس مجانياً .

الجودة :

هناك مكونان رئيسيان لجودة الخدمة في قطاع الرعاية الصحية – الجودة التقنية أو الميكانيكية وجودة الخدمة .

فالمعدات التقنية هي جوهر تشخيص المرضى ، في حين يتم قياس الجودة الوظيفية من خلال الخدمة المقدمة في مراكز الرعاية الصحية (مثل خدمات الموظفين والممرضات والأهم من ذلك ، معاملة الأطباء للمريض ومساعديه) ولذلك تعتبر جودة الخدمة في صناعة السياحة الطبية جزءًا حيويًا في جذب العملاء .

وواحدة من العوائق الأساسية في قبول السياحة العلاجية هي إدراك عدم كفاية الجودة ويتمثل أحد مفاتيح التغلب على ذلك في استخدام استراتيجيات التسويق الملائمة وتقييم الجودة من خلال اعتماد من مؤسسة معترف بها دوليًا وهذا الاعتماد أمر محوري لتعزيز الثقة في جودة الرعاية الصحية .

ولذلك تسعى تركيا جاهدة في الوقت الراهن للانضمام للاتحاد الأوروبي وقد حصلت العديد من المستشفيات في تركيا على اعتمادات محلية ودولية ، بما في ذلك اعتماد اللجنة الدولية المشتركة (JCI) ، واللجنة المشتركة لاعتماد منظمات الرعاية الصحية (JACHO) ، والمنظمة الدولية للمعايير (ISO) بالإضافة إلى الانتساب إلى عدد من المنشآت والمجموعات الطبية الغربية وتضم معظم مستشفيات تركيا أطباء يتحدثون مختلف اللغات ، وكذلك طاقم طبي معتمد من قبل الجمعية الطبية التركية بالإضافة إلى عضويتهم لعدد من المنظمات المتخصصة ، بما في ذلك الجمعية التركية لطب الأسنان , الجمعية الطبية لأمراض النساء والتوليد ، الجمعية التركية لجراحة العظام والإصابات ، والجمعية التركية لجراحة التجميل والترميم ، والجمعية التركية لجراحة القلب والأوعية الدموية ، وغيرها من الجمعيات المتخصصة كما تفخر تركيا بوجود أكثر من 30 منشأة طبية معتمدة من اللجنة الدولية المشتركة وهو أكبر عدد من الاعتمادات حصلت عليه أي بلد في العالم كما تنتسب بعض المستشفيات لبعض أفضل مقدمي الخدمات الطبية في الولايات المتحدة مثل كلية هارفارد للطب ، ومجموعة جون هوبكنز الطبية وغيرهم  كما أن المستشفيات التي تقدم خدمة السياحة العلاجية في تركيا مجهزة بأحدث التقنيات الطبية ، ولديها طاقم طبي حاصل على شهادات زمالة ، وأكثر من 35% من الأطباء مدربون في دول غربية .

يمكن أن تكون هذه الثقة أقوى إذا أعقب الاعتماد ارتباط مع مستشفيات ذات سمعة طيبة أو أنظمة رعاية صحية في البلدان الصناعية وبمجرد اعتماد مقدمي الرعاية الصحية ليصبحوا جزءًا من شبكات الإحالة الدولية ، يمكن تصنيفهم على نحو ملائم للمخاطر .

أنواع العلاج :

تمثل فئات العلاجات المختلفة وتوافرها عاملاً هامًا في اتخاذ القرار بالمشاركة في السياحة العلاجية الأنواع الأكثر شيوعًا من الإجراءات التي يتبعها المرضى أثناء رحلات السياحة العلاجية هي الجراحة التجميلية الاختيارية ، وطب الأسنان ، وزراعة الأعضاء ، وجراحة القلب ، وجراحة العظام .

ومع ذلك ، يمكن الحصول على مجموعة واسعة من الخدمات من خلال السياحة العلاجية ، بدءا من العلاجات الأساسية المختلفة إلى أنواع مختلفة من العلاجات التقليدية والبديلة وتزداد شعبية السياحة الإنجابية والاستعانة بمصادر خارجية في مجال التكاثر ، وهي ممارسة السفر إلى الخارج للمشاركة في الحمل البديل ، والإخصاب في الأنابيب وغيرها من أساليب التكنولوجيا الإنجابية المساعدة .

ولذلك يمكن إعتبار تركيا وجهة سياحية علاجية إستشفائية دون تردد .