مع أحمد

الصين أخفت تفشي فيروس كورونا ستة أيام كاملة

كشفت وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية أن السلطات الصينية أخفت وباء فيروس كورونا المستجد لستة أيام كاملة عن الجمهور، رغم علم مسؤولين كبار بخطورة الوضع، وفق وثائق حصلت عليها الوكالة.
وفي الأيام الستة التي تلت تحديد مسؤولين كبار في الصين سراً احتمال أنهم يواجهون وباء لفيروس تاجي جديد، استضافت مدينة ووهان مأدبة جماعية جمعت عشرات الآلاف من الناس، وبدأ الملايين يسافرون من أجل احتفالات رأس السنة الصينية الجديدة.
وفي 20 من يناير/كانون الثاني حذر الرئيس شي جين بينغ الجمهور. ولكن خلال هذا الأسبوع من الصمت، كان قد أصيب أكثر من 3 آلاف شخص بالفعل، وفقًا لوثائق داخلية حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس وتقديرات الخبراء واستنادًا إلى بيانات العدوى السابقة.
يقول زو فينغ زانغ عالم الأوبئة بجامعة كاليفورنيا “هذا [خطأ] هائل. لو كانوا اتخذوا إجراءات قبل ذلك بستة أيام، لنقصت أعداد المرضى ولتوفرت المرافق الطبية الكافية، ولربما كنا تجنبنا انهيار نظام ووهان الطبي”. لكن خبراء آخرون يرون أنه ربما كان انتظار الحكومة الصينية لتحذير للجمهور بهدف منع الهلع، وأنها تصرفت بسرعة سرًا خلال تلك الفترة.
غير أن هذا التأخير لم يكن الخطأ الوحيد، فالمركز الوطني للسيطرة على الأمراض بالصين لم يسجل أية حالات نقلا عن المسؤولين المحليين في نفس الفترة، حسبما أكدت النشرات الداخلية التي حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس، وذلك رغم ظهور مئات المرضى بالمستشفيات خلال تلك الفترة، من 5 يناير إلى 17 يناير، ليس فقط في ووهان ولكن في جميع أنحاء الصين.
ويرى خبراء أن الضوابط الصارمة التي تفرضها الصين على المعلومات، والعقبات البيروقراطية، والتردد في إرسال أخبار سيئة إلى أعلى هرم السلطة، كل ذلك أدى إلى إخفاء الإنذارات المبكرة. بل إن السلطات عاقبت ثمانية أطباء بتهمة “الترويج للشائعات”.
ولما ظهرت أول حالة إصابة خارج الصين، في تايلاند يوم 13 من يناير/كانون الثاني، تحفز القادة في بيجين للاعتراف بالوباء المحتمل. فعندها فقط طرحوا خطة للعثور على الحالات على الصعيد الوطني، وقاموا بتوزيع مجموعات اختبار معتمدة من مركز مكافحة الأمراض، وخففوا معايير التأكد من حالات الإصابة، وأمروا مسؤولي الصحة بفحص المرضى. كما أمروا المسؤولين في مقاطعة هوبي، حيث تقع ووهان، ببدء فحص درجات الحرارة في وسائل النقل وخفض التجمعات العامة الكبيرة. لكنهم فعلوا كل ذلك دون إخبار الجمهور أيضا.

زحام في محطة القطارات بمدينة ووهان الصينية (رويترز)
و نفت الحكومة الصينية مرارًا وتكرارًا إخفاء المعلومات في الأيام الأولى، قائلة إنها أبلغت منظمة الصحة العالمية على الفور عن تفشي المرض.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان أمس الأربعاء، ردًا على سؤال حول تقرير أسوشيتد برس “من يتهمون الصين بالافتقار إلى الشفافية والانفتاح ليسوا منصفين”.
وتظهر الوثائق أن رئيس هيئة الصحة الوطنية الصينية، ما شياو وي، وضع تقييما قاتما للوضع في 14 يناير في مكالمة سرية عبر مؤتمر بخاصية “التلي كونفرنس” مع مسؤولي الصحة بالمقاطعة.
وتنص المذكرة على أن المكالمة بغرض نقل التعليمات المتعلقة بفيروس كورونا من الرئيس شي جين بينغ، ورئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ ونائب رئيس الوزراء سون تشونلان، لكنها لم تحدد ماهية تلك التعليمات.
ونقلت المذكرة عن “ما” قوله “إن الوضع الوبائي لا يزال خطيرا ومعقدا، وهو أخطر تحد منذ وباء سارس عام 2003، ومن المرجح أن يتطور إلى حدث صحي عام وخطير”.
وقالت الهيئة الصحية الوطنية، وهي أعلى جهة طبية في الصين، في بيان بالفاكس إنها عقدت هذا المؤتمر بسبب حالة الإصابة المسجلة في تايلاند وإمكانية انتشار الفيروس خلال رحلات السفر بسبب إجازات العام الجديد.
وتأتي الوثائق من مصدر في المجال الطبي لم يرغب في الكشف عن اسمه خوفا من الملاحقة.
وتأكدت وكالة أسوشيتد برس من المحتويات من خلال مصدرين آخرين بالصحة العامة على دراية بالمؤتمر عن بعد (التلي كونفرنس). كما ظهرت بعض محتويات المذكرة في إشعار عام حول المؤتمر الهاتفي، بعد أن جُردت من التفاصيل الأساسية ونُشرت في فبراير.
وطالب “ما” في المذكرة المسؤولين بالالتفاف حول الرئيس “شي جين بينغ”، وأوضح أن الاعتبارات السياسية والاستقرار الاجتماعي من الأولويات الرئيسية خلال الفترة التي تسبق أكبر اجتماعين سياسيين بالصين في مارس/آذار. ورغم أن الوثائق لا توضح سبب انتظار الزعماء الصينيين ستة أيام لإعلان مخاوفهم للجمهور، ربما تكون تلك الاجتماعات أحد الأسباب.
واستجابة لهذا المؤتمر، بدأ مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في بيجين أعلى مستوى من الاستجابة للطوارئ بشكل داخلي. وفي 15 من يناير/ كانون الثاني كُلف كبار المسؤولين بالمركز بتشكيل 14 مجموعة عمل مكلفة بالحصول على الأموال، وتدريب العاملين في القطاع الصحي، وجمع البيانات، وإجراء التحقيقات الميدانية والإشراف على المختبرات، حسب ما يوضح إشعار داخلي للمركز.
كما وزعت لجنة الصحة الوطنية مجموعة من التعليمات في 63 صفحة على مسؤولي الصحة الإقليميين، وحصلت عليها أسوشيتد برس. وأمرت هذا التعليمات مسؤولي الصحة في جميع أنحاء البلاد بتحديد الحالات المشتبه بها، والمستشفيات بفتح عيادات الحميات، والأطباء والممرضات بارتداء ملابس واقية. وتم تمييز هذه التعليمات بأنها “داخلية” وأنه “لن يتم نشرها على الإنترنت”، “ولا يتم الكشف عنها علنًا”.

الطبيب الصيني لي وينليانغ أول من حذر من فيروس كورونا ثم توفي به

واستمر المسؤولون الصينيون في التقليل من أهمية التهديد علنًا، مشيرين إلى الحالات الإحدى والأربعين حالة المعلنة في ذلك الوقت.
ففي 15 يناير/ كانون الثاني، قال لي كون، مدير قسم الطوارئ بمركز السيطرة على الأمراض بالصين، في تصريح للتلفزيون الرسمي “آخر ما توصلنا إليه أن خطر انتقال العدوى من إنسان لإنسان منخفض”، على الرغم من أن هذا هو نفس اليوم الذي عُين “لي” فيه رئيسًا لمجموعة تعمل على إعداد خطط طوارئ للاستجابة من المستوى الأول، كما يظهر إشعار مركز السيطرة على الأمراض.
وفي 20 يناير كانون الثاني، أصدر الرئيس “شي” أولى تعليقاته العامة على الفيروس قائلاً إن تفشي المرض “يجب أن يؤخذ على محمل الجد” وكذلك كل إجراء من الممكن اتخاذه. حينها أعلن عالم الأوبئة الصيني البارز، زونغ نانشان، لأول مرة أن الفيروس ينتقل من الإنسان للإنسان عبر شاشة التلفزيون الوطني.
يقول الدكتور “زانغ” من لوس أنغلوس “لو تم تحذير الجمهور قبل أسبوع واخبارهم بضرورة اتخاذ إجراءات مثل التباعد الاجتماعي، وارتداء الأقنعة، وفرض قيود على السفر، لكان من الممكن خفض حالات الإصابة بنسبة تصل إلى الثلثين، فالإنذار المبكر يمكن أن ينقذ الأرواح”.
وحول هذا الموضوع قال الدكتور عمار البعداني، أخصائي المخ والأعصاب في الصين والمكلف من الحكومة الصينية بنشر الوعي عن فيروس كورونا، في تصريح لبرنامج “مع الحكيم” على الجزيرة مباشر: إنه “ليس بصدد الدفاع عن الصين ولكن إذا نظرنا لهذه التصريحات والهجمات سنجدها كلها إعلامية وسياسية”. وأضاف أنه يتفهم الضغوط على بعض الحكومات بسبب تفشي الوباء الشديد هناك، فلابد لها من تبرير ذلك بطريقة أو بأخرى.

يشار إلى أن الأطباء والممرضات في ووهان أبلغوا وسائل إعلام صينية إن هناك الكثير من الدلائل على أن الفيروس كورونا المستجد يمكن أن ينتقل بين البشر منذ أواخر ديسمبر/ كانون الأول، إذ أصيب الكثير من المرضى الذين لم يسبق لهم زيارة سوق هونان للمأكولات البحرية، المصدر المشتبه فيه للفيروس، كما انتقلت العدوى إلى العاملين في القطاع الصحي.
لكن المسؤولين عرقلوا الطاقم الطبي الذي حاول الإبلاغ عن مثل هذه الحالات، وضعوا معايير صارمة لتأكيد الحالات، حيث لم يكن على المرضى إثبات إيجابيتهم فحسب، ولكن كان يجب إرسال العينات إلى بيجين. وأوضحت تقارير اعلامية صينية انهم طلبوا من الموظفين إبلاغ المشرفين قبل ارسال المعلومات إلى المستويات الأعلى، وعاقبوا الأطباء لتحذيرهم من المرض.